فصل: مسألة صلى فقرأ سجدة فركع بها:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البيان والتحصيل والشرح والتوجيه والتعليل لمسائل المستخرجة



.مسألة يدرك ركعة مع الإمام ويقوم هو للقضاء ثم يذكر أنه نسي سجدة:

وقال في الذي يدرك ركعة مع الإمام من الجمعة أو الظهر فيسلم الإمام ويقوم هو للقضاء ثم يذكر قبل أن يركع أنه نسي سجدة من الركعة التي مع الإمام: إنه يخر فيسجد سجدة ثم يبني على تلك الركعة، فإن كانت جمعة أجزأت عنه، وإن كانت ظهرا فمثل ذلك.
قال محمد بن رشد: هذا على القول بأن سلام الإمام لا يحول بينه وبين إصلاح الركعة التي أدرك معه بالسجدة التي نسي منها.
وستأتي المسألة متكررة والخلاف فيها في رسم أسلم بعد هذا، وبالله التوفيق.

.مسألة امرأة طهرت عند غروب الشمس كيف تصلي الظهر والعصر:

وسئل: عن امرأة طهرت عند غروب الشمس فقدرت خمس ركعات فبدأت بالظهر فلما صلت ركعة غابت الشمس، قال: تضيف إليها أخرى وتكون نافلة ثم تسلم ثم تصلي العصر.
قيل: فلو صلت ثلاث ركعات؟ قال: تضيف إليها أخرى وتصلي العصر.
قال القاضي: هذه مسألة صحيحة لا إشكال فيها، والأصل فيها قول رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «من أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر»، فجعله مدركا للصلاة بإدراك ركعة منها قبل الغروب، فلا تكون المرأة إذا طهرت في آخر النهار مدركة للصلاتين جميعا إلا إذا طهرت لمقدار خمس ركعات فأكثر، فلما غابت الشمس لهذه المرأة التي قدرت أن عليها الظهر والعصر، وهي في الظهر قبل تمامها، تبين لها أن الظهر ساقط عنها، وأن صلاة العصر واجبة عليها إذ كان الوقت لها لا للظهر، فصارت بمنزلة من ذكر صلاة قد خرج وقتها وهي في نافلة تصليها، فيدخل فيها من الخلاف ما فيها، فقيل: إنها تقطع بكل حال، وقيل: إنها لا تقطع حتى تتم ركعتين أو أربعا إن كانت صلت ثلاثا، وقيل: إنها تتم ركعتين إن كانت قد صلت ركعة وتقطع إن كانت لم تصل ركعة أو كانت قد صلت ثلاث ركعات، وهو اختيار ابن القاسم في المدونة، وقيل: إنها تقطع إن كانت لم تصل ركعة وتتم ركعتين إن كانت صلت واحدة، وأربعا إن كانت صلت ثلاثا، وهو قوله في هذه الرواية، وهو أحسن الأقوال؛ لأنها إن كانت قد صلت ركعة أو ثلاثا كان الاختيار لها أن لا تقطع حتى تخرج عن نافلة؛ لقول الله عز وجل: {وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} [محمد: 33]، فإن كانت لم تصل ركعة كان الاختيار لها أن تقطع لوجوب صلاة العصر عليها بذكرها، وهي ليس معها من صلاتها عمل تام يبطل عليها بالقطع.
ولو علمت وهي تصلي الظهر قبل أن تغيب الشمس أنها إن أكملت الظهر غابت الشمس لوجب أن تقطع على أي حال كانت وتصلي العصر، ولا اختلاف في هذا، وبالله التوفيق.

.مسألة صلى مع الإمام فرفع رأسه من السجدة الأولى فرأى الناس في الثانية:

وقال فيمن صلى مع الإمام فرفع رأسه من السجدة الأولى، فرأى الناس سجودا في الثانية فظن أنهم في الأولى كلهم، فرجع إلى السجدة الأولى ليرفع منها برفعهم فرفعوا وقاموا، قال: ينبغي له أن يسجد سجدة يخر ساجدا ويعتد بها، يعني ما بينه وبين أن يركع الإمام في الثانية.
قيل له: فإن لم يفعل حتى سلم الإمام؟ قال: يعيد الصلاة إن طال ذلك بعد سلام الإمام، وإن ذكر ذلك بحضرة ذلك صلى ركعة بسجدتيها وسجد بعد السلام.
قال محمد بن رشد: قوله إنه يسجد التي ترك من الركعة الأولى ما بينه وبين أن يركع الإمام في الثانية هو مثل ما مضى في رسم استأذن وفي غير ما موضع، وكذلك إن ترك السجدة من غير الأولى يسجدها ما لم يعقد الإمام الركعة التي تليها، إما بالركوع وإما بالرفع منه على ما مضى من اختلاف قول مالك في ذلك، ولا اختلاف في هذا، وإنما الاختلاف إذا تركها من الركعة الآخرة، فقيل: إنه يسجدها ما لم يسلم الإمام، فإن سلم الإمام وكان بالقرب صلى ركعة وسجد بعد السلام، وإن طال ابتدأ الصلاة، وهو ظاهر قوله في هذه الرواية.
وقيل: إنه يسجد السجدة بعد سلام الإمام ما كان بالقرب، فإن طال بعد سلامه ابتدأ الصلاة، وهو على ما مضى من قوله في هذا الرسم، وبالله التوفيق.

.مسألة صلى بقوم المغرب فسلم من ركعتين فسبح به فقام فاستأنف الصلاة واتبعوه:

وسئل: عمن صلى بقوم المغرب فسلم من ركعتين فسبح به فقام فاستأنف الصلاة واتبعوه، فقال: أما هو فقد تمت صلاته، وأما من خلفه فيعيدون في الوقت وغيره إن كانوا لم يسلموا.
قال المؤلف: ظاهر قوله: أما هو فقد تمت صلاته، يوجب أن سلامه على طريق السهو قد أخرجه عن الصلاة.
وقد روي عن ابن أبي زيد أنه قال: إنما يصح هذا إذا سلم عامدا أو تعمد القطع بعد سلامه ساهيا، فذهب ابن أبي زيد في قوله هذا إلى أن سلامه على طريق السهو لم يخرجه من صلاته مثل ما يأتي في رسم أسلم بعد هذا، فلهذا قال: إنما يصح أن تكون صلاته قد تمت إن كان سلم عامدا، يريد بعد سلامه ساهيا، أو تعمد القطع بعد سلامه ساهيا، وإلى أن السلام على طريق السهو لا يُخرج المصلي عن صلاته ذهب ابن المواز، وحكاه عن مالك، وعليه بنى مسائله فقال فيمن دخل مع الإمام في التشهد الآخر فلما سلم الإمام وقام هو يقضي صلاته رجع الإمام فقال: إني كنت أسقطت سجدة من صلاتي، إنه ينظر، فإن ركع الركعة الأولى من قضائه في حد لو رجع الإمام لصح له الرجوع إلى إصلاح صلاته ألغى تلك الركعة؛ لأنه صلاها في حكم الإمام، وإن كان لم يركع في الركعة الأولى من قضائه إلا بعد أن فات الإمام الرجوع إلى إصلاح صلاته صحت له الركعة وسجد قبل السلام؛ لأنه قرأ الحمد في حكم الإمام، فكأنه أسقطها.
فالسلام من الصلاة ينقسم على قسمين: أحدهما: أن يسلم ساهيا غير قاصد إلى السلام والتحلل به من الصلاة، والثاني: أن يسلم قاصدا إلى السلام والتحلل به من الصلاة.
فأما إذا كان ساهيا غير قاصد إلى السلام والتحلل من الصلاة فلا يخلو من أن يكون ذلك في غير موضع السلام أو في موضع السلام، فهو سهو دخل عليه يسجد له بعد السلام، وإن كان ذلك في موضع السلام أجزأه ذلك من السلام وتحلل به من الصلاة إلا أن يقصد به التحلل من الصلاة، مثل أن ينسى السلام الأول ويسلم من على يمينه أو يرد على الإمام، فلا يجزئه على مذهب مالك، ويجزئه على ما ذهب إليه سعيد بن المسيب وابن شهاب من أن تكبيرة الركوع تجزئ عن تكبيرة الإحرام.
وأما إن سلم قاصدا إلى السلام والتحلل من الصلاة فلا يخلو من أن يكون ذلك وهو يعلم أن الصلاة لم تتم، أو هو يظن أن الصلاة قد تمت؛ فأما إن كان ذلك وهو يعلم أن الصلاة لم تتم فذلك يقطعها عليه ويخرجه عنها، وإن كان ذلك وهو يظن أن الصلاة قد تمت فكان ذلك كما ظن خرج من الصلاة بالسلام، وإن تم ذلك على ما ظن وتبين أنه قد سها فيما كان يظن وأنه لم يكمل صلاته، فهنا هو الاختلاف المذكور في خروجه عن الصلاة بالسلام، فهذا تحصيل القول في هذه المسألة، والله أعلم.

.مسألة ترك التكبير كله من الصلاة سوى تكبيرة الإحرام:

وقيل فيمن ترك التكبير كله من الصلاة سوى تكبيرة الإحرام: إنه إن لم يسجد السجدتين في ذلك قبل السلام أعاد الصلاة، وإن ترك الجلوس أيضا في اثنتين فلم يسجد أعاد الصلاة لذلك؛ لأن هذا نقصان.
ولو أسر القراءة في الصلاة كلها لم ير أن يعيد لذلك الصلاة إن لم يسجد وإن تطاول؛ لأنه قد قرأ.
قال المؤلف: سجود السهو يجب في السنن المؤكدات في الصلاة، وهي ثمان: قراءة ما سوى أم القرآن، والجهر في موضع الجهر، والإسرار في موضع الإسرار، والتكبير سوى تكبيرة الإحرام، والتحميد، والتشهد الأول، والجلوس له، والتشهد الآخر، فإن ترك من هذه السنن ثلاث سنن فأكثر سجد لها قبل السلام، فإن لم يسجد قبل فبعد، فإن لم يسجد بعد حتى طال أعاد الصلاة وإن ترك منها أقل من ثلاث ولم يسجد قبل ولا بعد حتى طال فلا إعادة عليه.
فهذا حكم هذه السنن المذكورات ما عدا التكبير سوى تكبيرة الإحرام، فإنه اختلف فيه، فقيل: إنه كله سنة واحدة، وقيل: إن كل تكبيرة سنة سنة. فمن قال: إنه كله سنة واحدة لم ير سجود السهو في تكبيرة واحدة منه، ولا أوجب الإعادة على من تركه كله فلم يسجد له حتى طال، وهي رواية أبي زيد عن ابن القاسم، ومن قال: إن كل تكبيرة منه سنة أوجب السجود في التكبيرة الواحدة وفي التكبيرتين، والإعادة على من ترك منه ثلاث تكبيرات فأكثر فلم يسجد حتى طال، وهو قوله في هذه الرواية وأحد قوليه في المدونة.
وقوله: إن ترك الجلوس في اثنتين فلم يسجد أعاد الصلاة صحيح على ما أصلناه؛ لأنه يجتمع في تركه له ثلاث سنن، وهي الجلوس والتشهد وتكبيرة القيام.
وقوله: لأن هذا نقصان، يريد لأن هذا نقصان كثير.
وقوله: لو أسر القراءة في الصلاة كلها لم أر أن يعيد- صحيح أيضا على ما أصلناه من أنه سنة واحدة، وبالله التوفيق.

.مسألة يأتي عليه السهو فلا يدري أسها أم لا:

وقال مالك فيمن يأتي عليه السهو فلا يدري أسها أم لا، قال: يسجد سجدتين بعد السلام.
قال المؤلف: معنى يأتي عليه السهو- يكثر عليه الشك، فلا يدري أسها أم لا، وهو المستنكح بكثرة الشك في السهو.
وسيأتي له مثل هذا في رسم إن خرجت، وقد مضى له مثله والقول عليه في رسم باع غلاما من سماع ابن القاسم، فلا معنى لإعادة ذلك، وبالله التوفيق.

.مسألة من أكل الثوم فلا يقرب المسجد رأسا:

قال مالك: من أكل الثوم فلا يقرب المسجد رأسا.
قال ابن القاسم: والكراث والبصل إن كان يؤذي ويظهر فهو مثل الثوم ولا يقرب المسجد أيضا.
قال محمد بن رشد: قد مضت هذه المسألة والقول فيها في رسم الصلاة الثاني من سماع أشهب، فلا معنى لإعادة القول في ذلك، وبالله التوفيق.

.مسألة صلى ببول الفارة:

قال: ومن صلى ببول الفارة فإنه يعيد ما كان في الوقت.
قال سحنون: لا إعادة عليه.
وسئلت عائشة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا عن أكل الفارة فتلت هذه الآية: {لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ} [الأنعام: 145]... الآية، كأنها رأت إجازته.
قال محمد بن أحمد بن رشد: قول ابن القاسم هو القياس على المذهب؛ لأن الفارة من ذي الناب من السباع، وقد نهى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن أكل كل ذي ناب من السباع.
والأبوال تابعة للحوم، فوجب أن يكون بولها نجسا؛ إذ لا يؤكل لحمها، وأن يعيد في الوقت من صلى ببولها.
وقول سحنون استحسان مراعاة لقول عائشة رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا في إجازة أكلها لظاهر الآية التي تلتها؛ إذ ليست الإعادة من النجاسات المتفق عليها واجبة، والقول بالمنع من أكلها ونجاسة بولها أظهر؛ لأن السنة مبينة للقرآن.
روي أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: «لا ألفين أحدكم متكئا على أريكته يأتيه الأمر من أمري فيقول بيننا وبينكم كتاب الله ما وجدنا فيه من حلال حللناه، وما وجدنا فيه من حرام حرمناه، ألا وإنه ليس كذلك، لا يحل ذو ناب من السباع ولا الحمار الأهلي»، وفي رواية أخرى: «ألا وإن ما حرم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فهو مثل ما حرم الله»، وبالله التوفيق.
كمل كتاب الصلاة الثالث بحمد الله.
نجز الجزء الأول من كتاب البيان والتحصيل للإمام ابن رشد رَحِمَهُ اللَّهُ من عمل ثمانية عشر جزءا يتلوه أول الثاني: كتاب الصلاة الرابع.

.كتاب الصلاة الرابع:

.مسألة افتتح الصلاة المكتوبة فلما صلى ركعتين شك في أن يكون على وضوء:

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وصلى الله على سيدنا ومولانا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما. كتاب الصلاة الرابع من سماع عيسى من كتاب أوله بع ولا نقصان عليك. مسألة: وسئل ابن القاسم عمن افتتح الصلاة المكتوبة، فلما صلى ركعتين شك في أن يكون على وضوء فتمادى في صلاته- وهو على شكه ذلك، فلما فرغ من صلاته، استيقن أنه كان على وضوء. قال: صلاته مجزئة عنه، إلا أن يكون نواها نافلة حين شك.
قال محمد بن رشد: إنما قال: إن صلاته تامة- وإن تمادى على شكه، إلا أن يكون نواها نافلة؛ لأنه لما دخل في الصلاة بطهارة متيقنة، لم يؤثر عنده فيها الشك الطارئ عليه بعد دخوله في الصلاة، والأصل في ذلك، ما روي أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: «إن الشيطان يفسو بين أليتي أحدكم، فإذا كان يصلي فلا ينصرف حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا». وليس هذا بخلاف لقوله في المدونة: من أيقن بالوضوء وشك في الحدث انتقض وضوؤه؛ لأن الشك طرأ عليه في هذه المسألة بعد دخوله في الصلاة، فوجب ألا ينصرف عليها إلا بيقين- كما جاء في الحديث، ومسألة المدونة طرأ عليه الشك في طهارته قبل الدخول في الصلاة، فوجب ألا يدخل فيها إلا بطهارة متيقنة- وهو فرق بَيِّن. وقد روى سحنون عن أشهب في أول سماعه خلاف هذا في هذه المسألة أن صلاته باطلة، وهذا أظهر لما بيناه.

.مسألة طهارة السيف من الدم:

قال: وقال مالك يمسح السيف من الدم ويصلي به. قلت:
فلو صلى به ولم يمسحه، هل كنت تراه يعيد الصلاة ما دام في الوقت؟ قال: لا. قال: عيسى بن دينار يريد إذا كان في الجهاد أو الصيد الذي يكون عيشه.
قال محمد بن رشد: أجاز أن يمسح السيف من الدم ويصلي به وإن لم يغسله؛ لأن اليسير من الدم معفو عنه، فإذا مسحه من السيف لم يبق فيه منه إلا أقل مما جوز للراعف أن يفتله بين أصابعه ويمضي في صلاته، ولم ير عليه إعادة إن صلى به ولم يمسحه، لما مضى عليه عمل السلف من استجازة مثل هذا، وترك التعمق فيه- على ما يأتي في رسم حبل الحبلة من السماع؛ ولأن ذلك يكثر ويشق على المجاهد، والذي يكون عيشه الصيد، وقول عيسى تفسير وبيان إن شاء الله.

.مسألة نسي صلاتين واحدة في السفر وأخرى في الحضر:

وقال في رجل نسي صلاتين: ظهرا وعصرا، واحدة في السفر وأخرى في الحضر، لا يدري أيتهما نسي في الحضر، ولا أيتهما نسي في السفر، ولا أيتهما قبل صاحبتها؟ قال: يصلي ثلاث صلوات، إن شاء صلى الظهر والعصر للحضر مرة، وصلاهما للسفر مرتين، وإن شاء صلى للسفر مرة، وللحضر مرتين، قلت له: كيف يصنع؟ قال: إن أراد أن يصليهما للحضر مرتين بدأ فصلى الظهر والعصر للحضر، ثم صلى أيضا الظهر والعصر للسفر، ثم صلى الظهر والعصر للحضر، فإن كانت صلاة الحضر قبل صلاة السفر، فقد صلاهما كما وجبتا عليه، وإن كانت صلاة السفر قبل صلاة الحضر، فقد صلاها قبلها حين صلى بعدها الظهر والعصر للحضر، وكذلك العمل فيها أيضا لو بدأ بصلاة السفر قبل صلاة الحضر لصلاها مرتين.
قال محمد بن رشد: قوله في المسألة يصلي ثلاث صلوات يريد ثلاث صلوات في كل صلاة، فهي ست صلوات. وقوله: إنه يصليهما حضريتين وسفريتين صحيح؛ لأن صلاة الحضر لا تجزئ عن صلاة السفر إذا خرج وقتها، كما لا تجزئ صلاة السفر عن صلاة الحضر إذا خرج وقتها، فلما لم يدر كيف وجبتا عليه، وجب عليه أن يصليهما للحضر وللسفر حتى يأتي على شكه، ويوقن أنه قد صلاهما كما وجبتا عليه. وأما قوله: إنه يعيدهما بعد ذلك للسفر إن كان بدأ بالسفر، وللحضر إن كان بدأ بالحضر من أجل الرتبة؛ إذ لا يدري هل كان السفر قبل الحضر، أو الحضر قبل السفر، فهو على خلاف أصله في المدونة؛ إذ لا يلزم أن يراعى الترتيب في الفوائت على أصله فيها؛ لأنه قال فيها: إن من ذكر صلاة فتعمد فصلى الصلاة التي هو في وقتها- وهو ذاكر لها، أنه لا يعيدها إلا في الوقت، فإذا كان لا يلزمه أن يعيدها إلا في الوقت- وهو يوقن أنه قد قدمها قبل الأولى، فأحرى أن لا يعيد هذه إلا في الوقت؛ إذ ليس على يقين من أنه قدّمها قبل الأولى- والوقت قد خرج بتمام الصلاة؛ لأن الصلاة الفائتة إذا صلاها فقد خرج وقتها؛ لأنه كأنه قد وضعها في وقتها، وهذا بيّن- وبالله التوفيق.
ومن كتاب: لم يدرك من صلاة الإمام إلا الجلوس:

.مسألة صلى فقرأ سجدة فركع بها:

وقال: من صلى فقرأ سجدة فركع بها، أنه إن كان تعمد الركوع بها، أجزأته تلك الركعة وقرأها إذا قام في أخرى وسجد. قال: والمكتوبة والنافلة في ذلك سواء، إلا أني لا أحب للإمام أن يخلط على الناس بسجدته أن يقرأ سجدة في المكتوبة. قال: وإن أراد أن يهوي ليسجدها فنسي فركع، فإنه إن ذكر وهو راكع خر من ركعته فسجدها ثم اعتدل فقرأ وركع، وإن لم يذكر حتى فرغ من ركعته، ألغى تلك الركعة. وقال: لا أحب لأحد أن يتعمد الركوع بسجدة، فإن فعل أجزأ عنه. قال أشهب عن مالك: إنه يعتد بها وإن ركعها ساهيًا للسجدة ولا يلغيها.
قال محمد بن رشد: قوله فيمن قرأ سجدة فركع بها إنه إن كان تعمد الركوع بها أجزأته تلك الركعة، صحيح لا اختلاف فيه؛ لأنه ركع بنية الركوع الواجب عليه، وترك السجود الذي ليس بواجب عليه. وأما قوله: إنه يقرأها إذا قام في الأخرى ويسجد في المكتوبة والنافلة، فهذا موضع اختلف فيه، فقال ابن حبيب: إنه لا يقرأها إذا قام في المكتوبة ولا في النافلة؛ لأن الركعة التي ركعها لصلاته تجزئه من السجدة، وعلى مذهبه في المدونة: لا يجزئه ركوعه للصلاة عن السجدة، فهو بمنزلة من ترك سجود السجدة يقرأها في الركعة الثانية في النافلة دون الفريضة. وقوله: إلا أني لا أحب للإمام الذي يخاف أن يخلط على الناس بسجدته، أن يقرأ سجدة في المكتوبة، هو مثل ما مضى، ومضى القول فيه في رسم الصلاة الثاني من سماع أشهب- خلاف ما في المدونة.
وأما قوله: إنه إن أراد أن يهوي ليسجدها فنسي فركع، أنه إن ذكرها- وهو راكع يخر من ركعته فيسجدها، ثم يعتدل- قائما فيقرأ ويركع؛ فصحيح على مذهبه في الاعتبار باختلاف نيته في الصلاة، إلا أنه يسجد لسهوه بعد السلام- إن كان قد أطال الركوع قبل أن يذكر- قاله ابن حبيب، وكذلك قوله: إنه إن لم يذكر حتى فرغ من ركعته، أنه يلغيها، صحيح أيضا على مذهبه في الاعتبار باختلاف نيته في الصلاة، وهو قوله في رسم السلم بعد هذا: إن من حالت نيته في صلاته إلى نافلة تبطل عليه صلاته- إن طال ذلك، وإذا ألغاها من أجل أنه لم ينو بها الفريضة ونوى بها النافلة، فيأتي بركعة مكانها ويسجد بعد السلام.
وقول أشهب عن مالك: إنه يعتد بها وإن ركعها ساهيا للسجدة ولا يلغيها؛ صحيح أيضا على أصل أشهب في سماع سحنون أن من حالت نيته في صلاته إلى نافلة، فصلاته صحيحة لا تبطل عليه- وإن طال ذلك، وليس تحول النية بشيء، وذلك ينحو إلى قول ابن المسيب وابن شهاب في أن تكبيرة الركوع تجزئ عن تكبيرة الإحرام، فتدبر ذلك، فإنه أصل واحد.

.مسألة المسافر يدخل يوم الجمعة حاضرته:

وقال في المسافر يدخل يوم الجمعة حاضرته، وقد صلى الظهر في السفر، فأتى المسجد فوجد الناس في الجمعة، فدخل معهم، فأحدث الإمام فقدمه فصلى بالناس، قال: أرى صلاتهم مجزئة عنهم؛ لأن كل من دخل حاضرته قبل أن يصلي الإمام، فعليه أن يحضر الجمعة، وإن فاتته ولم يحضرها أو قد كان في الحضر حين صلى الإمام الجمعة، فعليه أن يعيدها ظهرا أربعا، وإن كان قد صلاها في السفر اثنتين حتى يجعل صلاته بعد صلاة الإمام.
قال محمد بن رشد: رأى صلاته التي صلى في السفر منتقضة إذا دخل حاضرته قبل أن يصلي الإمام الجمعة، ولذلك قال: إن صلاتهم مجزئة عنهم إذا صلاها بهم، ونحو هذا في سماع عبد الملك بن الحسن، وقد اختلف في هذا وفي المريض يصلي الظهر يوم الجمعة بعد الزوال قبل صلاة الإمام، ثم يصح في وقت لو مضى إلى الجمعة لأدركها أو ركعة منها، وفي العبد يصلي الظهر أيضا ثم يعتق في وقت لو مضى إلى الجمعة لأدركها أو ركعة منها، وفي الذي يصلي الظهر ناسيا أو على ألا يأتي الجمعة أو هو يظن أن الجمعة قد صليت في وقت لو مضى إلى الجمعة لأدركها أيضا، أو ركعة منها، فقيل: إن الجمعة عليهم كلهم واجبة، وإن فاتتهم أعادوا ظهرا أربعا؛ لأن الصلاة الأولى قد بطلت، وهو الذي يأتي على هذه الرواية، وقيل: إن الأولى هي صلاتهم ويؤمرون بإتيان الجمعة، فإن لم يفعلوا، فلا شيء عليهم، وهو قول ابن نافع، وقيل: إن العبد والمريض والمسافر الذي صلى في السفر لا يلزمه الإتيان إلى الجمعة، بخلاف الذي يصلي الظهر سهوا أو على ألا يصلي الجمعة، أو وهو يظن أن الجمعة قد صُلِّيت، وهذا الذي يأتي على مذهب سحنون، وأشهب، وقال سحنون- على أصله: ليس على المسافر إذا دخل من سفره أن يصلي الجمعة، إلا أن تكون صلاته الظهر على ثلاثة أميال من وطنه. وقال أشهب- على أصله أيضا: إنه إن كان صلى الظهر في سفره في جماعة، فلا ينبغي له أن يأتي الجمعة، كما لا ينبغي له في غير الجمعة إذا صلى في سفره صلاة من الصلوات في جماعة، أن يعيد تلك الصلاة في الحضر في جماعة.

.مسألة ظن الرجل أنه نقص من صلاته فسجد سجدة أو سجدتين:

قال ابن القاسم: إذا ظن الرجل أنه نقص من صلاته فسجد سجدة أو سجدتين، ثم ذكر أنه لم ينقص شيئا، فإنه إن ذكر ذلك ولم يسجد إلا سجدة لم يسجد إليها الأخرى، وسجد سجدتين بعد السلام؛ وإن ذكر وقد سجد سجدتين كذلك أيضا، يسجد سجدتين بعد السلام؛ قيل له: فلو كان ظن أنه زاد فسجد سجدة أو سجدتين، ثم علم أنه لم ينقص من صلاته لسهوه بعد السلام، ثم ذكر أنه لم يزد؛ قال: يقطع ولا يسجد إليها أخرى.
قال محمد بن رشد: هذه مسألة صحيحة لا إشكال فيها ولا كلام- على ما في المدونة وغيرها؛ لأنه إذا ظن أنه قد نقص من صلاته فسجد قبل السلام سجدة أو سجدتين، ثم علم أنه لم ينقص من صلاته شيئا، فقد حصل بسجوده للسهو سهو زيادة يسجد له بعد السلام؛ وإذا ظن أنه قد زاد فسجد سجدة واحدة بعد السلام ثم ذكر أنه لم يزد شيئا، وجب ألا يسجد إليها سجدة أخرى؛ إذ السجود إنما شرع للسهو، وهذا لم يسه- وبالله التوفيق.

.مسألة يكون في الزحام يوم الجمعة فلا يقدر أن يركع مع الإمام:

وسألته عن الرجل يكون في الزحام يوم الجمعة فلا يقدر أن يركع مع الإمام هل يركع ويتبعه؟ قال: إذا لم يركع معه فلا يجزئه أن يركع بعده، قلت: فالرجل يغفل أو ينعس فلا ينتبه حتى يعتدل الإمام من ركعته، قال: اختلف قول مالك في ذلك، فمرة كان يقول: يلغي تلك الركعة، ومرة كان يقول: إذا كانت من أول صلاته ألغاها، ومرة كان يقول: يركع ويتبعه، فإن لحقه في السجود، أجزأت عنه؛ فإن لم يلحقه في السجود ألغاها. قلت: فأي شيء تأخذ به أنت؟ قال: أما في الزحام إذا لم يستطع أن يركع مع الإمام، فإنه يلغي تلك الركعة ولا يركع ويتبعه- كانت أول ركعة أو غيرها هو سواء، ولكن يتبعه في السجود ويلغي تلك الركعة ويصلي ركعة مكانها، فإن فاتته الأولى والثانية، قضى ما فاته بعد سلام الإمام، ولو ركع الركعة الأولى مع الإمام فلم يستطع أن يركع الثانية من الزحام، لم يركع ويتبع الإمام- وإن طمع أن يدركه في سجوده وألغى تلك الركعة التي لم يركعها مع الإمام، وصلاها إذا سلم الإمام، والزحام مخالف للغفلة والنعسة إذا لم ينتبه حتى يستقل الإمام من الركعة أو لم ينتبه لركوع الإمام حتى يستقل الإمام، فهذا الذي نعس أو غفل وقد ركع مع الإمام أول ركعة، صلى معه وركع واتبعه ما طمع أن يدركه في سجوده، وإن لم يطمع فلا يتبعه، وإن لم يركع بعد أول ركعة ودخل عليه من الغفلة فيها مما ذكرت، كان أمره وأمر الذي في الزحام سواء في جميع صلاته- إذا لم يركع معه الركعة الأولى.
قال محمد بن رشد: قد مضى تحصيل الاختلاف في هذه المسألة في رسم كتب عليه ذكر حق من سماع ابن القاسم، وتكررت أيضا في رسم الصلاة الثاني من سماع أشهب، وفي أول رسم من هذا السماع، ووجه قوله: إنه يتبع الإمام بالركوع في الركعة الأولى والثانية، ما ثبت من أمر رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لمن دخل مع الإمام أن يتبعه في صلاته، من ذلك قوله: «إنما جعل الإمام ليؤتم به، فإذا ركع فاركعوا»- الحديث. والفاء تقتضي التعقيب، وتوجب أن الثاني بعد الأول، والقياس أيضا على ما أجمعوا عليه حق اتباعه في السجود إذا فاته السجود معه بغفلة أو ما أشبه ذلك، ووجه قوله إنه لا يتبعه في الأولى ولا في الثانية، ظاهر قول عبد الله بن عمر وغيره من الصحابة: من أدرك الركعة فقد أدرك السجدة، ومن فاتته الركعة فقد فاتته السجدة. إذ لم يفرقوا بين الأولى والثانية، ووجه تفرقته بين الأولى والثانية، أن الركوع ركن من أركان الصلاة كالسجود، فإذا فاته مع الإمام لم يكن له أن يفعله بعده، إلا أن يكون قد تقدمه ركوع أصل ذلك السجود.